فصل: من فوائد أبي حيان في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد أبي حيان في الآية:

قال رحمه الله:
{أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده}.
الإشارة بأولئك إلى المشار إليهم بأولئك الأولى وهم الأنبياء السابق ذكرهم وأمره تعالى أن يقتدى بهداهم، والهداية السابقة هي توحيد الله تعالى وتقديسه عن الشريك، فالمعنى فبطريقتهم في الإيمان بالله تعالى وتوحيده وأصول الدين دون الشرائع، فإنها مختلفة فلا يمكن أن يؤمر بالاقتداء بالمختلفة وهي هدى ما لم تنسخ فإذا نسخت لم تبق هدى بخلاف أصول الدين فإنها كلها هدى أبدًا.
وقال تعالى: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا} وقال ابن عطية: ويحتمل أن تكون الإشارة بأولئك إلى {قومًا} وذلك يترتب على بعض التأويلات في المراد بالقوم على بعضها انتهى، ويعني أنه إذا فسر القوم بالأنبياء المذكورين أو بالملائكة فيمكن أن تكون الإشارة إلى قوم وإن فسروا بغير ذلك فلا يصح، وقيل: الاقتداء في الصبر كما صبر من قبله، وقيل: يحمل على كل هداهم إلا ما خصه الدليل، وقيل: في الأخلاق الحميدة من الصبر على الأذى والعفو، وقال: في ريّ الظمآن أمر الله تعالى نبيه في هذه الآية بمكارم الأخلاق فأمر بتوبة آدم وشكر نوح ووفاء إبراهيم وصدق وعد إسماعيل وحلم إسحاق وحسن ظنّ يعقوب؟ واحتمال يوسف وصبر أيوب وإثابة داود وتواضع سليمان وإخلاص موسى وعبادة زكريا وعصمة يحيى وزهد عيسى، وهذه المكارم التي في جميع الأنبياء اجتمعت في الرسول صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين ولذلك وصفه تعالى بقوله: {وإنك لعلى خلق عظيم} وقال الزمخشري: {فبهداهم اقتده} فاختص هداهم بالاقتداء ولا يقتدى إلا بهم، وهذا بمعنى تقديم المفعول وهذا على طريقته في أن تقديم المفعول يوجب الاختصاص وقد رددنا عليه ذلك في الكلام على {إياك نعبد} وقرأ الحرميان وأهل حرميهما وأبو عمرو {اقتده} بالهاء ساكنة وصلًا ووقفًا وهي هاء السكت أجروها وصلًا مجراها وقفًا، وقرأ الأخوان بحذفها وصلًا وإثباتها وقفًا وهذا هو القياس، وقرأ هشام {اقتده} باختلاس الكسرة في الهاء وصلًا وسكونها وقفًا، وقرأ ابن ذكوان بكسرها ووصلها بياء وصلًا وسكونها وقفًا ويؤول على أنها ضمير المصدر لا هاء السكت، وتغليظ ابن مجاهد قراءة الكسر غلط منه وتأويلها على أنها هاء السكت ضعيف.
{قل لا أسألكم عليه أجرًا إن هو إلا ذكرى للعالمين} أي على الدعاء إلى القرآن وهو الهدى والصراط المستقيم.
{أجرًا} أي أجرة أتكثر بها وأخص بها إن القرآن {إلا ذكرى} موعظة لجميع العالمين. اهـ.

.من فوائد الخازن في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله تعالى: {أولئك الذين هدى الله} يعني النبيين الذين تقدم ذكرهم لأنهم هو المخصوصون بالهداية {فبهداهم اقتده} إشارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعني فبشرائعهم وسننهم اعمل وأصل الاقتداء في اللغة طلب موافقة الثاني للأول في فعله.
وقيل أمره أن يقتدي بهم في أمر الدين الذي أمرهم أن يجمعوا عليه وهو توحيد الله تعالى وتنزيهه عن جميع النقائص التي لا تليق بجلاله في الأسماء والصفات والأفعال.
وقيل: أمره الله أن يقتدي بهم في جميع الأخلاق الحميدة والأفعال المرضية والصفات الرفيعة الكاملة مثل: الصبر على أذى السفهاء، والعفو عنهم.
وقيل: أمره أن يقتدي بشرائعهم إلا ما خصه دليل آخر فعلى هذا القول يكون في الآية دليل على أن شرع من قبلنا شرع لنا.
فصل:
احتج العلماء بهذه الآية على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
بيانه أن جميع خصال الكمال وصفات الشرف وكانت متفرقة فيهم فكان نوح صاحب احتمال على أذى قومه، وكان إبراهيم صاحب كرم وبذل مجاهدة في الله عز وجل، وكان إسحاق ويعقوب من أصحاب الصبر على البلاء والمحن، وكان داود عليه السلام وسليمان من أصحاب الشكر على النعمة، قال الله فيهم: {اعملوا آل داود شكرًا} وكان أيوب صاحب صبر على البلاء، قال الله فيه {إنا وجدناه صابرًا نعم العبد إنه أواب} وكان يوسف قد جمع بين الحالتين، يعني: الصبر والشكر، وكان موسى صاحب الشريعة الظاهرة والمعجزات الباهرة، وكان زكريا ويحيى وعيسى وإلياس من أصحاب الزهد في الدنيا، وكان إسماعيل صاحب صدق وكان يونس صاحب تضرع وإخبات ثم إن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بهم وجمع له جميع الخصال المحمودة المتفرقة فيهم فثبت بهذا البيان أنه صلى الله عليه وسلم كان أفضل الأنبياء لما اجتمع فيه من هذه الخصال التي كانت متفرقة في جميعهم والله أعلم.
وقوله تعالى: {قل لا أسألكم عليه أجرًا} يعني: قل يا محمد لا أطلب على تبليغ الرسالة جعلًا قيل لما أمره الله تعالى بالاقتداء بالنبيين وكان من جملة هداهم عدم طلب الأجر على إيصال الدين وإبلاغ الشريعة لا جرم اقتدى بهم فقال: لا أسألكم عليه أجرًا {إن هو} يعني ما هو يعني القرآن {إلا ذكرى للعالمين} يعني أن القرآن موعظة وذكرى لجميع العالم من الجن والإنس وفيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان مبعوثًا إلى جميع الخلق من الجن والإنس وإن دعوته عمَّت جميع الخلائق. اهـ.

.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} [90]
{أُولَئِكَ} إشارة إلى الأنبياء المذكورين: {الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} أي: إلى الصراط المستقيم: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} أي: بطريقتهم في الإيمان بالله وتوحيده، والأخلاق الحميدة، والأفعال المرضية، والصفات الرفيعة، اعمل.
تنبيهات:
الأول- استدل بهذه الآية من قال: إن شرع من قبلنا شرع لنا، ما لم يرد ناسخ.
الثاني- استدل بها ابن عباس رضي الله عنه على استحباب السجدة في (ص)، لأن داود عليه السلام سجدها، رواه البخاري وغيره- ولفظ البخاري: عن العوّام، قال سألت مجاهدًا عن سجدة (ص)، فقال: سألت ابن عباس: من أين سجدت؟ فقال: أو ما تقرأ: {وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} فكان داود ممن أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم أن يقتدي به، فسجدها داود عليه السلام فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم. الثالث- قال الرازي: احتج العلماء بهذه الآية على أن رسولنا صلى الله عليه وسلم أفضل من جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وتقريره: أنا بيّنا أن خصال الكمال، وصفة الشرف، كانت مفرقة فيهم بأجمعهم، فداود وسليمان كانا من أصحاب الشكر على النعمة، وأيوب كان من أصحاب الصبر على البلاء، ويوسف كان مستجمعًا لهاتين الحالتين، وموسى عليه السلام كان صاحب الشريعة القوية القاهرة، والمعجزات الظاهرة، وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كانوا أصحاب الزهد، وإسماعيل كان صاحب الصدق، ويونس كان صاحب التضرع، فثبت أنه تعالى إنما ذكر كل واحد من هؤلاء الأنبياء، لأن الغالب غليه خصلة معينة من خصال المدح والشرف. ثم إنه تعالى لما ذكر الكل، أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بأن يقتدي بهم بأسرهم، فكأنه أمر بأن يجمع من خصال العبودية والطاعة كل الصفات التي كانت مفرقة فيهم بأجمعهم، وهو معصوم عن مخالفة ما أمر به، فثبت أنه اجتمع فيه جميع ما تفرق فيهم من الكمال، وثبت أنه أفضلهم. وهو استنباط حسن.
الرابع: {اقْتَدِهْ} يُقرأ بسكون الهاء وإثباتها في الوقف دون الوصل، وهي على هذا هاء السكت. ومنهم من يثبتها في الوصل أيضًا لشبهها بهاء الإضمار. ومنهم من يكسرها وفيه وجهان:
أحدهما هي هاء السكت أيضًا، شبهت بهاء الضمير، وليس بشيء.
الثاني هي هاء الضمير والمصدر أي: اقتد الاقتداء. ومثله:
هذا سُرَاقَةُ للقرآن يدرُسُهُ ** والمرء عند الرُّشا، إنْ يَلَقَهَا ذيبُ

فالهاء ضمير (الدرس) لا مفعول، لأن (يدرس) قد تعدى إلى (القرآن). وقيل: مَنْ سكن الهاء جعلها هاء الضمير، وأجرى الوصل مجرى الوقف- أفاده أبو البقاء-.
وأما قول الواحدي: الذين أثبتوا الهاء راموا موافقة المصحف، فإن الهاء ثابتة في الخط، فكرهوا مخالفة الخط في حالتي الوقف والوصل، لأثبتوا- فقد قال الخفاجي: إنه مما لا ينبغي ذكره، لأنه يقتضي أن القراءة بغير نقل تقليدًا للخط. فمن قاله فقد وهم.
{قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} أي: على القرآن أو التبليغ. فإن مساق الكلام يدل عليهما، وإن لم يجر ذكرهما {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} أي: عظة وتذكير لهم ليرشدوا من العمى إلى الهدى.
تنبيهان:
الأول- فيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان مبعوثًا إلى جميع الخلق، من الجن والإنس. وأن دعوته قد عمت جميع الخلائق.
الثاني- قال الخفاجي: قيل الآية تدل على أنه يحلّ أخذ الأجر للتعليم وتبليغ الأحكام. قال: وللفقهاء فيه كلام. انتهى.
وعكس بعض مفسري الزيدية حيث قال: في هذا إشارة إلى أنه لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم العلوم، لأن ذلك جرى مجرى تبليغ الرسالة. انتهى.
أقول: إن الآية على نفي سؤاله صلى الله عليه وسلم منهم أجرًا، كي لا يثقل عليهم الامتثال. وأما ما استفاده الحل والتحريم منها، ففيه خفاء. والقائل بالأول يقول: المعنى لا أسألكم جعلًا تعففًا. أي: وإن حلّ لي أخذه. وبالثاني: لا أسألكم عليه أجرًا لأني حظرت من ذلك.
قال ابن القيمّ: أما الهدية للمفتي، ففيها تفصيل: فإن كانت بغير سبب الفتوى، كمن عادته يهاديه أو من لا يعرف أنه مفت، فلا بأس بقبولها، والأولى أن يكافأ عليها. وإن كانت بسبب الفتوى، فإن كانت سببًا إلى أن يفتيه بما لا يفتي به غيره ممن لا يهدي له، لم يجز له قبول هديته. لأنها تشبه المعاوضة على الإفتاء. وأما أخذ الرزق من بيت المال، فإن كان محتاجًا إليه، جاز له ذلك. وإن كان غنيًّا عنه، ففيه وجهان: وهذا فرع متردد بين عامل الزكاة، وعامل اليتيم. فمن ألحقه بعامل الزكاة قال: النفع فيه عام، فله الأخذ. ومن ألحقه بعامل اليتيم منعه من الأخذ. وحكم القاضي في ذلك حكم المفتي، بل القاضي أولى بالمنع. وأما أخذ الأجرة فلا يجوز، لأن الفتيا منصب تبليغ عن الله ورسوله، فلا يجوز المعاوضة عليه، كما لو قال: لا أعلمك الإسلام والوضوء والصلاة إلا بأجرة. أو سئل عن حلال أو حرام؟ فقال للسائل: لا أجيبك عنه إلا بأجرة، فهذا حرام قطعًا، ويلزمه ردّ العوض، ولا يملكه، انتهى.
وفي حديث عبد الرحمن بن شِبْل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اقرؤوا القرآن، ولا تغلوا فيه، ولا تجفوا عنه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به». أخرجه الإمام أحمد برجال الصحيح. وأخرجه أيضًا البزار وله شواهد-.
وأخرج أحمد والترمذي- وحسّنه- عن عِمْرَان بن حصين أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ القرآن فليسأل الله تبارك وتعالى به، فإنه سيجيء قوم يقرؤون القرآن يسألون الناس به». وأخرج ابن ماجة والبيهقي عن أبيّ بن كعب قال: علّمت رجلًا القرآن فأهدى لي قوسًا، فذكرت ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخذتها أخذت قوسًا من نار.
وهناك أحاديث أخر، ومنها استدل على حظر أخذ الأجرة على التعليم.
وأما أخذ الأجرة على التلاوة، ففي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود في قصة اللديغ من قوله صلى الله عليه وسلم: «إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا، كتاب الله، أصبتم اقتسموا، واضربوا لي معكم سهمًا».
قال العلامة الشوكاني: حديث: «أحق ما أخذتم عليه أجرًا» عامٌّ يصدق على التعليم، وأخذ الأجرة على التلاوة. لمن طلب من القارئ ذلك، وأخذ الأجرة على الرقية، وأخذ ما يدفع إلى القارئ من العطاء، لأجل كونه قارئًا، ونحو ذلك. فيخص من هذا العموم تعليم المكلف، ويبقى ما عداه داخلًا تحت العموم. وبعض أفراد العامّ فيه، أدلة خاصة تدل على جوازه، كما دل العامّ على ذلك. فمن تلك الأفراد أخذ الأجرة على الرقية، وتعليم المرأة في مقابلة مهرها. قال: هكذا ينبغي تحرير الكلام في المقام، والمصير إلى الترجيح من ضيق العطن. أي: لأنه يُصار إليه عند تعذر الجمع، وقد أمكن، فكان الأحق- والله الموفق-. اهـ.